دخلت فاطمة إلى المدرسة والسعادة الغامرة تملأ قلبها، فقد قررت منذ الآن وصاعداً أن تفتح صفحة جديدة، وأن تغير بعض التفاصيل في حياتها تغييراً جذرياً، سلّمت على صديقاتها، وجلست معهن خلال الفرصة، وبعد قليل، أطلّت صديقتها نور من بعيد، وبينما دنت نور لاحظت الفتيات أنها قد قصّت شعرها، إلا أنه كان مقصوصاً برداءة، فقد بدَا جزء من شعرها أطول من الباقي بصورة واضحة.
نعيماً!، قالت إحدى الصديقات لنور.. يبدو شعرك جميلاً! قالت أخرى، يليق عليك كثيراً! علّقت إحداهن، أرادت فاطمة أن تقول شيئاً من هذا القبيل، ولكنها تذكرت أنها قد فتحت صفحة جديدة، فقالت لنور: ألم تلاحظي أن شعرك غير متناسق من ناحية الطول؟ ساد الصمت في المجلس، فقد صُدِمت الفتيات بتعليق فاطمة، ما أقساه! ولكن ما كان من نور إلا أن ضحكت قائلة: هذا ما قلتُه لأمي! ولكنها قالت لي إن شَعري بحالة جيدة... وأخيراً تكلم أحدهم بصدق عن شَعري!.
وبعد إنقضاء ذلك اليوم، عادت فاطمة إلى منزلها بسعادة أكبر من قبل، فقد لمست الآثار الإيجابية لصدقها مع الناس، حملت كتاب الأحاديث النبوية الشريفة وردّدت حديثاً حفظته عن ظهر القلب: «إن الصدق يهدي إلى البِرّ...».
وفي اليوم التالي كانت فاطمة مدعوّة عند صديقتها فرح للعمل على مشروع مدرسي، وبعد أن أتمّتا العمل بإتقان، ذهبت فرح إلى المطبخ ورجعت ومعها وعاء وقالت: هذه الحلوى من إختراعي، أسميتها كعكة فرح، أتمنى أن تعجبك!.
كان منظر الحلوى غريباً، فشعرت فاطمة بأن معدتها تضطرب، ولكنها تعلم أنه ليس لديها خيار، ففرح تنتظرها لتعطيها رأيها بالحلوى، فأمسكت الشَّوكة، وبصعوبة أخذت لقمة صغيرة وضعتها في فمها وإبتلعتها باشمئزاز، قالت في نفسها: ما الذي وضعته فرح في هذه الحلوى؟ لا أستطيع أن أبتلعها!، وضعت فاطمة الشوكة جانباً، فنظرت إليها فرح بتعجب وقالت، لِمَ لَمْ تُكْمِلي الحلوى؟ ألم تعجبك؟ فقالت: أنا آسفة، لم تعجبني، الحقيقة بالكاد إبتلعتُ لقمة واحدة.
في اليوم التالي، طلبت المعلمة من التلميذات أن يعرضن المشاريع التي قمن بها، وعندما حان دور فاطمة وفرح، قامت فاطمة، ولكنّ فرح بقيت مكانها وقالت بحزن: أنا لن أعرض المشروع مع فاطمة اليوم، إستغربتْ التلميذات والمعلمة من ردّ فرح، وبعد أن إنتهت الحصة، طلبت المعلمة من فاطمة أن تتكلم معها على إنفراد.
سألت المعلمة: هل من مشكلة بينك وبين فرح يا فاطمة؟ أجابت فاطمة: لا أدري لِمَ كل هذا الغضب! كنا نعمل سوياً البارحة، وقدمتْ لي حلوى من صنعها وسألتني عن رأيي فيها، فقلت لها إنني لم أحبها وبالكاد إبتلعت لقمة واحدة! هل أخطأتُ لأنني قلت الحقيقة؟! نظرت المعلمة إلى فاطمة نظرة دهشة، وقالت لها: لقد أخطأتِ يا فاطمة! ليس لأنك قلت الحقيقة بل لأنك قلتيها بطريقة جارحة!.
ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام أمرنا بالصدق، ولقد عاهدتُ نفسي أن أكون صادقة.
كوني صادقة ولكن لا تجرحي مشاعر الناس! فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم أيضاً: «إن اللهَ يحب الرِّفق في الأمر كله».
ولكن كيف أكون صادقة دون أن أجرح مشاعر الناس؟ الحقيقة تكون جارحة أحياناً!
مثلاً، بدل أن تقولي: بالكاد ابتلعت لقمة واحدة قولي: لست معتادة على هذا النوع من الحلوى! وتذكري جيداً قول الله تعالى: {وقُلْ لعبادي يقولوا التي هي أحسن}.
وجدتْ فاطمة أن كلام معلمتها مقنع، فإعتذرت من فرح وقررتْ أن تحافظ على علاقتها الطيبة مع الناس حاملة شعاراً من هدْيَ المصطفى: «إن اللهَ يُحب الرفق في الأمر كله»
الكاتب: رغد دعبول.
المصدر: موقع منبر الداعيات.